عبادة الفرد

عبادة الفرد عبر التاريخ

  • عبادة الفرد عبر التاريخ

اخرى قبل 5 سنة

عبادة الفرد عبر التاريخ

دأبت بعض الحكومات على توظيف عبارة المقدس لتسويغ معظم سياستها الارتجالية التي لاتوافق مبادئ الدستور هذا اذا كان هنالك دستورٌ اصلا! وطالما رددت تلك الحكومات عبارات كهنوتية من قبيل: الحرب المقدسة، المبادئ المقدسة، والحق الالهي...لاصدار احكام قرقوشية انفعالية تماشي اختلاجات القائد.

ان سياسة تقديس الحكام ليست بالغريبة على هذه المناطق من العالم. فوفقا لآراء ارسطو فان تقاليد عبادة الحاكم وجدت اصلاً في الشرق، وكان يعتقد جازماً ان عدوى عبادة الحاكم انتقلت من الشرق الى اليونان عن طريق الغزوات التي قام بها قادة اليونان في البلدان الشرقية ومن ثم تأثروا بما شاهدوه هناك من عادة تقديس الملوك حد العبادة .ولهذا كان ارسطو يعتبر ان مثل هذه الحالة اعتيادية بالنسبة للشرقيين وحالة مَرَضية بالنسبة لليونانيين. ويشير ارسطو الى ان الاسكندر المقدوني اثناء غزوه لبلاد فارس لاحظ ان الناس هناك تسجد لملكها وان الملك يتمتع بمزايا خاصة تخوّله حق انهاء حياة رعاياه في اي وقت يشاء حتى لو لم يكن هناك من سبب غير الاهواء الشخصية كأن يريد الملك ان يُدرّب خليفته على الرماية فيوجه سهامه نحو احد المواطنين ليصطاده. فاستغرب الاسكندر من ذلك الوضع وعندما استفسر عن السبب، فقيل له ان الملك في الشرق هو بمثابة إله او وكيل للالهة في الارض، فأُعجِب الاسكندر بهذة الفكرة ولما عاد من بلاد فارس طلب من اليونانيين السجود له.

وقد اكدت الدراسات التاريخية صحّة ما أشار اليه ارسطو من ان عادة تاليه الحكام منشأها الشرق حيث انها عرفت اول ما عُرفت في مصر الفرعونية وبلاد فارس وبلاد الرافدين وكان يُنظر للحاكم هناك على انهُ ابناً للآلهة وتدعي الحكومة فيه بأنها تحكم باسم رب أو معبود. ويعزز الملك القوي سلطته على الشعب بإعلانه بأنه يحظى بتأييد الآلهة، حتى لا يحاول أحد خلعه فيحل عليه غضب الآلهة. ومن هنا نمت فكرة الملكية المقدسة أو الملك المعبود؛ وتعني أن الملك مقدس ويمثل يد الله في الأرض. وهناك نظريتان حول نشأة الملكية المقدسة : تنص الاولى على ان الملك نشر وأشاع بأنه قد رأى في منامه الآلهة تخبرهُ بأنه ممثلهم على الأرض.

وإما النظرية الثانية فتذكر بأن الملك حينما كان يعود إلى الوطن بعد طول غياب؛ ويجد زوجته حاملا فانها تلجأ لاخباره بان الرب هو الوالد، وقد حملت جنينها منه إبقاء على النسب الإلهي (المقدس) في الملكية. وتعتبر الحضارة الفرعونية اولى الحضارات في العالم التي قدست الملوك فعند تتويج الفرعون، كان يعتقد بأن روح الإله حورس كانت تدخل فيه لترشده. كما أنه كان يتلقى "الكا" الملكية؛ وهي الروح التي تجعله مقدساً، ولدى وفاة الفرعون، فإن روحه تندمج مع أوزيريس؛ حتى يرشد خليفته. وكواحد من الأرباب، فإن الملك يصبح ابنا للاله رع؛ أو "آمون رع"، فيما بعد. وعادة مايقوم الفراعنة باقامة الاعياد والاحتفالات التي تدعم الوهيتهم وقدسيتهم. وبموجب موقعه كرب، كانت للفرعون عبادته في حياته وبعد مماته. وكانت طقوس عبادة الملك شبيهة للغاية بتلك الشعائر اليومية بالمعابد. وكانت التماثيل تقام من أجل تلقّي القرابين، ومن بينها تماثيل الملك وهو يقدم القرابين لذاته المؤلهة. وخلال الولاية المشتركة، عندما كان الوريث يتوج قبل وفاة الملك المورث؛ فإن الملك القديم كان غالبا ما يقدم في هيئته المقدسة (المؤلهة). وبحلول عصر الدولة الحديثة، بدأت عبادة الملك تركز على المولد المقدس (الإلهي)؛ وفيه أن الملك لم يكن يخلق من نسل أبيه، وإنما من نسل آمون بنفسه. واستخدم الملوك هذه الحجة لإضفاء المشروعية على أحقيتهم في العرش. وبعد ظهور المسيحية وانتشارها في اوروبا ظهر فى التاريخ مايعرف باسم الحكومة الدينية وكان رجال الدين المسيحيين يحكمون على انهم ظل الله فى الارض وان مايحلّونهُ او يُحرِّمونه للناس فى الارض يحلّهً او يحرِّمهُ الله فى السماء. فلا يصدر منهم اى قرار او تصرف فى امرٍ من الامور إلا بتفويض من الرب لهم فى ذلك. وظهر على يدهم صكوك الغفران والحرمان واللعنة التى قالوا عنها انها تفويض سماوي من الرب فيمنحون الجنة لمن يشاؤون ويحرمون من شاؤوا.

وقد حاول الملوك والامراء فى اوروبا ان ينتزعوا السلطة من الكنيسة فابتدعوا نظرية العناية الالهية او نظرية الملكية المقدسة التى تنكر احتكار البابا للسلطة نيابة عن الله فى الارض وجاء في هذه النظرية ايضا ان ارادة الله وجهت عقول الناس وارادتهم بطريقة غير مباشرة لتصبح السلطة بيد واحد منهم او من الحكام فما دام الملك ملكا فلا يحق لاحد من البشر ان يقيد سلطته لان هذا فيه تحد لسلطة الله. وظل الصراع بين السلطتين مستمرا حتى جاءت الثورة الفرنسية العام 1789 واصدرت قانونا عُرف باسم الدستور المدني لرجال الدين يحرِّم عليهم النشاط السياسي والزمهم ان يقسموا يمين الولاء لهذا الدستور وان يكون تولّي المناصب الدينية بالانتخاب. وجاء الفيلسوف الفرنسى روسو فنحا بهذه النظرية نحواً جديدا فقال ان تنازل الافراد للحاكم ليس تنازلا نهائياً انما هو تنازل مشروط بأن يكون الحكم لصالحهم.

ولهذا كان لهم حق الرجعة فى هذا التنازل اذا لم يحقق الحكم مصلحة الجماعة ومعنى هذا ان الحاكم خاضع لرقابتهم فاذا انحرف بالحكم عن صالح المحكومين فمن حقهم ان يخلعوه وقد استخدم روسو هذه النظرية لتأييد سيطرة الشعوب على الحكومات.وفي القرن الماضي وبعد سقوط الملايين ضحية لحروب وصراعات محلية وقاريّة جاءت نتيجة لقرارات فردية سادية-مَرَضية من حكام انفردوا حد العِصمةِ في قراراتهم ونبوءاتهم التي جَرّت على العالم اجمع ويلات ومشاكل ستبقى مصدرا لخلافات الشعوب لقرون ستأتي. وقد سعت شعوب الغرب في القرن الماضي على ركن عادة تقديس الحكام في اقصى زوايا التاريخ ودرجها على انها مرحلة مأساوية و مؤلمة مر بها التاريخ البشري.

ولكن لايزال أقصى وأوضح صور التقديس للزعامة فى عالم اليوم يمكن رصدها وملاحظتها واضحة-جلية في بعض دول العالم الثالث، خاصة في بعض دول الشرق التى مازالت فيها معايير العلاقة بين الحاكم والمحكوم تشابه الى حد كبير علاقة البراهمة بالشودر في الديانة الهندوسية (البرهمي الذي يكتب الكتاب المقدس وهو رجل مغفور له ولو أباد باقي الطوائف والشودري الذي قُدّر له ان يخدم البرهمي بدون اجر او ثواب بكل سعادة وخشوع) هذه العلاقة التي فقدت فيها المناظير والمعايير والمقاييس الانسانية والعلمية مضمونها ومن ثم فقدت جدواها كأساس يتم الاستناد إليه للحكم على الأشياء والأشخاص مما أفرز ومازال يُفرز حالة التقديس ويكرّس هذا الإرث التاريخي الطويل الذي ترسخ في عقلية تلك الشعوب بصورة لا واعية وربما لا إرادية، الذي يستند اساسا على جملة التصورات والمشاعر والعواطف وردود الفعل العفوية التي كان مصدرها انفعالات آنية لم تتبلور كنتيجة لتفكير عقلاني متأنً ومدروس بل اتت كردود فعل عفوية لسياسات ثيوقراطية طالما تحكمت بمواقف الناس واثرت في سلوكهم وأفكارهم وافقدتهم حرياتهم وجعلت من الحكام آلهة ورموزاً خالدة حتى وان قادوا بلادهم الى اقصى حالات التخلف والدمار.

ذلك ان اؤلئك القادة المؤلهين كان من الممكن ان يحققوا اعظم الانجازات لولا المؤامرات والدسائس الاجنبية! ولم يستطع بعض مواطني تلك الدول من التخلص واقعياًً من ظل ذلك الإرث التاريخي الذى يحملونه على كاهلهم كصخرة سيزيف، وحتى بعد خروج الاستعمار الأجنبي وإلى يومنا هذا أن يقبل القائد أو الزعيم الحاكم كما هو، ولم يستطع أن يرفضه كما هو، ولم يستطع أن يجبره على تغيير سياساته الفردية بسياسات علمية-عملية تجعل من الشعب شريكا حقيقيا وفاعلاً في صناعة القرارات التي تصدر من الحاكم والحكومة. إن إعادة البناء تستلزم الاصطدام المباشر والمستمر بالخيال الواهم حول الزعامة والقيادة هذا إذا أردنا ان نواكب مُعطيات العالم الجديد ولانتصخر وحيدين في دوامات سُباتاتنا الكهفية!

لقد بات من الضروري الشروع في إعادة بناء الذات بعيداً عن طقوس التقديس وبدعة الاختيار الالهي للحاكم وان نختار قادتنا من بيننا ينتمون الى ذات الحواري والأزقة التي احتضنتنا صغاراً وكباراً. ان نختار قادة شاركونا ذات القيظ والفاقّة، ذات الخوف من المُخبِر والسجّان، ذات المرارات التي ذاقتها الارملة والمُقعّد والمسكين، ان يكونوا منّا والينّا ومن ابناء جلدتِنا.ان علينا جميعا ان نشارك في اختيار ذلك المواطن/القائد الذي نوظفه جميعا لخدمتنا نحن جميعاً، ونصحو من ذلك الحلم الواهم الذي ادمنّاه جيلاً بعد جيل بانتظار البطل أو الزعيم أو الرمز المُنقذ الذي سيأتي من البعيد حاملا معهُ بشائر الحب والخير والسلام الذي سيزيل عن الشعب اثار الخوف والجوع والامراض بلمسةٍ من يده العفيفة الطاهرة! لنتعامل مع الحكام والقادة والزعماء في صورتهم الإنسانية التى تخطىء وتصيب وتخضع للمساءلة والحساب وحتى العقاب إذا أخطأت، ان نتعامل مع القادة كما هُمْ وكما هيّ طبيعة عملهم التي تجعل منهم موظفين حكومين يخضعون لقوانين واحكام البلد حالهم حال اي مواطن من ابناء البلد، يسري عليهم ذات القانون الذي يخضع له العامل والفلاح والعتال وباقي افراد المجتمع رجالا كانوا ام نساء

التعليقات على خبر: عبادة الفرد عبر التاريخ

حمل التطبيق الأن